بقلم
د. شهاب البرعي و د. رائد قمبرجي و ويشغل كل منهما منصب شريك في شركة ستراتيجي& الشرق الأوسط، وهي جزء من شبكة شركات بي دبليو سي.
تشهد منظومة الكهرباء في جميع دول مجلس التعاون الخليجي أزمة مزدوجة جرَّاء جائحة كورونا والانخفاض الحاد في أسعار النفط. وقد أسفر ذلك عن تحديات متوالية في مجالات تتراوح من عمليات التشغيل إلى سلاسل الإمداد إلى التمويل. وقد كان التأثير مفاجئاً وشديداً، ويجب أن تتسم الجهات المعنية بمنظومة الكهرباء بالمرونة في إدارة ردة فعلها لضمان أنها لا تتعامل فقط مع الآثارالأكثر إلحاحاً للأزمة ولكنها تُهيئ نفسها للتعافي والخروج بشكل أكثر قوة بعد انقشاع غبار الأزمة.
ونظراً لتوجيهات الحكومات المختلفة لمواطنيها بملازمة منازلهم، تحوَّل معظم الطلب على الطاقة من المستخدمين الصناعيين والحكوميين إلى مستخدمي الطاقة للأغراض السكنية، الذين يستهلكون قدراً أقل من الطاقة، ويدفعون تعريفات منخفضة نسبياً. (تُشير البيانات الأخيرة من إيطاليا إلى انخفاض الطلب على الطاقة بنحو 15 بالمائة نتيجة لإغلاق العديد من المنشآت الصناعية). وقد تأثرت شبكات الطاقة بتغير أنماط الطلب، وتعطُّل سلاسل التوريد. وعلى الصعيد المالي، تُواجه منظومة الكهرباء ارتفاعاً في متوسط أيام تحصيل المدفوعات، مما يُقلل من حجم رأس المال العامل، بالاقتران مع الارتفاع الكبير في عائدات السندات للأسواق الناشئة. وتُواجه منظومة الكهرباء صعوبة وتدقيقاً أكبر من العملاء في مجالات ضمان الخدمة والفوترة.
وسيعتمد التأثير النهائي على منظومة الكهرباء على مجموعة من العوامل التي تشمل فترة تفشي الجائحة وشدتها، وسرعة الانتعاش الاقتصادي العالمي، وديناميكيات سوق النفط، وحجم حزم التحفيز الحكومية. ومع ذلك، لا يزال بإمكان الجهات المعنية بقطاع الكهرباء تشكيل ملامح مستقبل منظومة الكهرباء من خلال اتخاذ إجراءات متضافرة ومتزامنة على مستوى ثلاثة آفاق.
الأفق الفوري: التعبئة لخوض عباب الأزمة
اتخذت العديد من الجهات المعنية بالفعل خطوات لضمان استمرار الخدمة – لاسيما بالنسبة للعملاء الأساسيين مثل المستشفيات ودور التمريض – بالإضافة إلى ضمان سلامة قواها العاملة. ومع ذلك، بمقدورالجهات المعنية الأكثر مبادرة أيضاً إطلاق برامج لدعم المجتمعات أثناء الأزمة. وعرضت بعض المؤسسات تخفيف المدفوعات عن كاهل الشركات والأسر المُعرضة للخطر، أو تعجيل توصيل الكهرباء إلى المستشفيات المؤقتة.
تتضمن الإجراءات الأكثر طموحاً قيام منظومة الكهرباء بالاستفادة من انتشارها وقدراتها ومواردها مثل التخزين في المستودعات والنقل وشبكات التوصيل لدعم فئات معينة. على سبيل المثال، تستطيع منظومة الكهرباء التنسيق مع موردي المواد الغذائية والأدوية لدعم جهود توصيل المنتجات الأساسية (الأغذية والأدوية ومعدات الحماية الشخصية) إلى الفئات الأكثر ضعفاً على غرار كبار السن أو ذوي الدخل المنخفض. وبالرغم من أن هذه الجهود يترتب عليها زيادة في التكاليف، إلا إنها تُساعد في إرساء الدعم الشعبي لتخفيف الأعباء المالية على القطاع
الأفق المنظور: الاستقرار بعد “انقشاع غبار الأزمة”
تستطيع منظومة الكهرباء تحسين أوضاعها من خلال إجراء مراجعة مالية شاملة، وخفض التكاليف حيثما أمكن ذلك. على سبيل المثال، بمقدورها تصفية أجزاء من المحفظة الاستثمارية، وإلغاء العمليات والخدمات الزائدة، وتعهيد القدرات والوظائف غير الأساسية. ونظراً لأن القوة الميدانية تُمثل جزءاً كبيراً من القوة العاملة، فإن مبادرات الإنتاجية تُقدم عادةً عائداً جذاباً على الاستثمار. وعلى مدار هذه العملية، يجب أن تنظر منظومة الكهرباء إلى الرقمنة والتكنولوجيا كوسيلة لتحسين مستويات الأداء والكفاءة. وتتمثل الفائدة الثانوية لخفض التكاليف وتحسين الأداء المالي في تقديم مبررٍ أكثر إقناعاً للتدخل التنظيمي إما من خلال رفع التعريفات أو الحصول على دعم حكومي – إذا استدعى الأمر ذلك.
الأفق الحقيقي: صياغة استراتيجيات لحقبة ما بعد الجائحة
أخيراً، من المحتمل جداً أن تتدخل الحكومات لاتخاذ إجراءات رامية لتعزيز الاقتصادات في حقبة ما بعد الجائحة، ويُمكن تخصيص بعض الموارد، المخصصة للإنفاق التحفيزي على البنية التحتية، لرفع كفاءة منظومة الكهرباء بصورة نوعية ولكن في بيئةٍ تتزايد فيها الضغوط المالية والأولويات المتعارضة، تحتاج الجهات المعنية بالكهرباء إلى إثبات أنها تُشكل أفضل استخدام للموارد الحكومية. وتحقيقاً لهذه الغاية، يجب عليها تطوير مجموعة من المشاريع التي تتماشى مع الأهداف الحكومية للإنفاق التحفيزي الاقتصادي.
يستلزم القيام بذلك تحديد مشاريع كبيرة الحجم وجاهزة للتنفيذ الفوري وذات نطاق واسع لتحقيق تأثير اقتصادي سريع. علاوةً على ذلك، يجب أن تتميز دراسات جدوى المشاريع بمُضاعِف اقتصادي مرتفع، مما يُسهم في الناتج الإجمالي المحلي، ويخلق فرص العمل ويُعزز الإنتاجية الوطنية، مثل البنية التحتية للشبكات الذكية أو الابتكار الذي يجعل الاقتصادات الوطنية أكثر كفاءة ومرونة. وأخيراً، يجب أن تتماشى مشاريع منظومة الكهرباء مع أهداف السياسة الوطنية، مثل تعزيز الصناعات الرئيسية أو التحوُّل إلى الطاقة المتجددة.
في خضم أزمة جائحة كورونا والانخفاض الحاد في أسعار النفط، تُشكل البيئة التشغيلية الحالية لمنظومة الكهرباء تحدياً كبيراً أمام دول مجلس التعاون الخليجي – وفرصة كبيرة للتطوير النوعي. ومن خلال اتخاذ الإجراءات الصحيحة للاستجابة، على مستوى جميع الآفاق الثلاثة في نفس الوقت، بمقدور منظومة الكهرباء ضمان استمرارها في تأدية دور حاسم في النمو الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي في المستقبل.