مع ازدياد مخاطر الفضاء الإلكتروني، بات الذكاء الاصطناعي أداةً لا غنى عنها لمواجهة التهديدات السيبرانية المتطورة، حيث يساعد المنظمات على التصدي لهذه المخاطر من خلال تحليل السلوك واكتشاف التهديدات واتخاذ إجراءات وقائية استباقية، وتدرك الشركات في المملكة العربية السعودية أهمية دمج حلوله وتقنياته في استراتيجياتها للأمن السيبراني، إذ تشير التوقعات إلى أن 91% من المديرين التنفيذيين في المملكة يرون أن الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة سيكونان عنصرين أساسيين في خططهم المستقبلية للأمن السيبراني.
ويُعدّ سوق الأمن السيبراني السعودي من أسرع الأسواق نموًا في الشرق الأوسط، حيث تقدر قيمته بـ 3.6 مليار دولار في عام 2020 ومن المتوقع أن تصل إلى 9.8 مليار دولار بحلول عام 2026، ويعود هذا النمو إلى ازدياد اعتماد الشركات على التقنيات الرقمية، والاستثمارات الحكومية المتزايدة في حلول الأمن السيبراني وفقًا لرؤية المملكة 2030، بالإضافة إلى سنّ القوانين والتشريعات اللازمة لحماية البيانات وتعزيز الأمن الرقمي.
وإدراكًا من المملكة لأهمية التعاون بين القطاعين العام والخاص لتطوير وتنفيذ استراتيجيات فعالة للأمن السيبراني، فقد اتخذت خطوات ملموسة لتعزيز الأمن الرقمي وحماية البيانات ومكافحة الجرائم الإلكترونية، بما في ذلك قانون حماية البيانات الشخصية والذي يتيح للأفراد طلب تصحيح المعلومات الشخصية غير الدقيقة، واختيار تقييد أو إيقاف معالجة بياناتهم الشخصية، مما يعزز الثقة في البيئة الرقمية ويشجع الاستخدام الآمن للتقنيات.
مكافحة التهديدات
وأكد رامبراكاش رامامورثي – مدير أبحاث الذكاء الاصطناعي في شركة مانيج إنجن، وهي القسم الخاص بإدارة تقنية المعلومات المؤسسية في مجموعة زوهو العالمية-،على ضرورة الاستثمار المستمر في حلول الأمن السيبراني المدعومة بالذكاء الاصطناعي لضمان فعالية الحماية ضد التهديدات السيبرانية المتطورة، قائلًا: “توفر حلول الذكاء الاصطناعي للمؤسسات القدرة على مراقبة التهديدات السيبرانية والتصدي لها والاستجابة لها بفعالية، ونحن في مانيج إنجين ندرك ذلك تمامًا، ونعمل على دمج الذكاء الاصطناعي المتقدم في حلولنا الأمنية لتمكين عملائنا من التصدي للتهديدات الناشئة بكفاءة عالية”.
وكمثال على ذلك، أشار رامامورثي إلى ميزة التحليل الثلاثي الجديدة القائمة على إمكانيات تعلم الآلة، ضمن حلول Log360 لإدارة الأحداث والمعلومات الأمنية من مانيج إنجن، والتي تتيح للمؤسسات تتبع مسار المهاجمين بدقة وتقليل تأثير الاختراقات من خلال توفير رؤية سياقية شاملة حول المستخدمين والكيانات والعمليات، لافتًا إلى التزامهم باستخدام تقنيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI) لتعزيز قدراتهم الأمنية.
كفاءة العمليات
يُحدث الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في طريقة عمل الشركات، حيث يُعزز كفاءة العمليات ويُحسن الأمن بشكل ملحوظ، فمن خلال أتمتة المهام المتكررة، يوفّر الذكاء الاصطناعي للموظفين الوقت للتركيز على المهام الأكثر تعقيدًا، كما يمكنه تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة وكفاءة، مما يساعد على اكتشاف التهديدات السيبرانية والاستجابة لها بسرعة ودقة فائقة، وعلاوة على ذلك، يُسهل الذكاء الاصطناعي على الشركات توسيع نطاق أعمالها من خلال إدارة الأنظمة المعقدة وتحليل البيانات الضخمة.
تقنيات ذكية
ويوجد العديد من تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة التي تُعزز قدرات الدفاع الرقمي ضد هجمات السيبرانية المتطورة، ويتصدر التعلم الآلي (ML) خط الدفاع الأول، حيث تُحلل خوارزمياته الذكية البيانات التاريخية وتتنبأ بالهجمات السيبرانية وتستجيب لها بفعالية، فعلى سبيل المثال، يمكن الاستفادة من التعلم شبه المُشرف لتصنيف حركة مرور الشبكة، تمييزًا بين العمليات الطبيعية والسلوكيات الضارة.
ويُكمل التعلم العميق، كفرع متقدم من التعلم الآلي، قدرات الذكاء الاصطناعي الدفاعية، حيث تُحلل خوارزمياته البيانات غير المنظمة، مثل الصور والنصوص، بدقة فائقة، مما يُساعد على كشف التهديدات المتخفية في سلوك المستخدم أو البيانات المشبوهة.
كما تقدم معالجة اللغة الطبيعية (NLP) أداة فعالة لفهم وتحليل اللغة البشرية تمكن المؤسسات من كشف محاولات التصيد الاحتيالي وهجمات الهندسة الاجتماعية المتمركزة على النصوص، مثل رسائل البريد الإلكتروني ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي، بينما يعزز التعلم المعزز قدرات الذكاء الاصطناعي على اتخاذ القرارات في بيئات متغيرة، وتدريبه على اختيار أفضل استجابة للتهديد المكتشف، ممّا يتيح له التكيف مع التطورات السريعة في عالم الهجمات الإلكترونية.
وأوضح رامبراكاش رامامورثي، أن أهم ما يميز هذه التقنيات هو قدرتها على الكشف الاستباقي عن التهديدات، فبفضل تحليلها لكميات هائلة من البيانات يمكنها تمييز التهديدات الحقيقية عن الإيجابيات الخاطئة بدقة عالية، مما يُقلل بشكل كبير من الإنذارات الكاذبة، ويتيح التركيز على المخاطر الحقيقية بكفاءة، فضلًا عن دورها في تعزيز التعاون بين الأفراد والفرق من خلال توفير المعلومات والقرارات الدقيقة، مما يُحسّن من كفاءة التصدي للتهديدات.
كشف استباقي
يتميز الذكاء الاصطناعي بقدراته على تحليل كميات هائلة من البيانات المعقدة، واستخلاص رؤى ثاقبة تساهم في الكشف المبكر عن أي خلل أو تهديد سيبراني محتمل، فمن خلال تحليله للبيانات السابقة وتتبعه للأنماط الموسمية والاتجاهات، يصبح قادرًا على التنبؤ بوقوع التهديدات السيبرانية قبل حدوثها، مما يتيح للمؤسسات اتخاذ إجراءات تأمين استباقية.
وليس ذلك فحسب، بل يمكن للذكاء الاصطناعي أتمتة الاستجابات للتهديدات بكفاءة عالية، بما في ذلك عزل الأنظمة المصابة أو نشر التصحيحات الأمنية، وهو ما يقلل من وقت الاستجابة ويحد من الأضرار بشكل كبير.
حماية البيانات
وعلى مختلف المستويات، يعزز الذكاء الاصطناعي منظومة الأمن السيبراني، بدءًا من مستوى الخادم حيث يمكنه التخفيف من هجمات الحرمان من الخدمة (DDoS)، وتحليل سلوك المستخدم والكيانات، واكتشاف الروبوتات الضارة، مما يساعد في حماية الخوادم من التهديدات الخارجية، أما على مستوى نقاط النهاية، فهو يتيح اكتشاف برامج الفدية، والبرمجيات الخبيثة، ومحاولات التصيد والاحتيال؛ للمحافظة على أمان أجهزة المستخدمين.
ومع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، سيلعب دورًا محوريًا في تشكيل مستقبل الأمن السيبراني، حيث يتيح إمكانيات هائلة لمكافحة التهديدات المتطورة وحماية البيانات والأنظمة بشكل أكثر فعالية.