بقلم: محمد طلعت، نائب نائب الرئيس بشركة دِل تكنولوجيز لمنطقة السعودية ومصر وليبيا وبلاد الشام
لا ينطوي تأسيس الشركات القائمة على البيانات على مجرد عملية بسيطة، وإنما يتطلب الأمر تخطيطًا دقيقًا واهتمامًا بالغًا لتتحول أي شركة إلى مؤسسة قائمة على البيانات. وعادةً ما يستوجب ذلك قيام الشركات بتقييم بياناتها، حتى تتمكن لاحقًا من الوصول إليها وتحويلها وتحليلها لاتخاذ قرارات أفضل وأسرع. وخلال هذه العملية، ستقوم هذه الشركات حتماً بتحديد وحل العديد من النهج الانعزالية للبيانات داخلها.
وتؤدي هذه النهج إلى زعزعة الجهود التي تبذلها أي شركة لتصبح مؤسسة جاهزة لاستغلال البيانات وقائمة على البيانات. ووفقًا لتقرير يستند إلى دراسة أجرتها مؤسسة فوريستر كونسلتنغ في يناير 2021 بتكليف من شركة دل تِكنولوجيز، فإن 60٪ من قادة الأعمال في المملكة العربية السعودية من المسؤولين عن البيانات في مؤسساتهم يصفون انعزالية البيانات بأنها عائق رئيسي لالتقاط البيانات وتحليلها بشكل أفضل، والعمل وفقًا لها (مما يجعلها ثاني أهم عائق بالنسبة لأعمال الشركات القائمة على البيانات).
ولتقليل الضرر الناجم عنها، ينبغي على الشركات الاستعداد للعديد من النهج الانعزالية للبيانات الجديدة، والاستعداد لتوحيدها عند الحاجة لذلك.
عمليات الدمج والاستحواذ
تقضي الشركات الكبيرة، لا سيما في القطاعات عالية التنظيم، مثل التمويل والتأمين، وقتًا طويًلا وتنفق أموالًا طائلة لإنشاء مصدر مركزي للبيانات لتتمكن من الامتثال لللقوانين ذات الصلة. ورغم أن الأمر يتطلب مستوىً استثنائيًا من الانضباط والدقة، إلا أن هذا العمل الدؤوب والجهود الكبيرة قد تنهار بسرعة عندما تدخل الشركات في عملية دمج أو استحواذ، حيث تحصل الشركة على مجموعات بيانات جديدة ومتداخلة عبر كيانات الأعمال المختلفة.
وتشير دراسة فوريستر إلى أن 57٪ من كبار قادة الأعمال في المملكة العربية السعودية الذين يرون في انعزالية البيانات عائقًا أمام تحقيق التميز، يلقون باللوم على انتشار هذا النهج في أعقاب عمليات الدمج والاستحواذ. ويعود هذا جزئيًا إلى اختلاف تنسيقات وهياكل البيانات، فقد تكون الشركات المندمجة تعمل في نفس القطاع، إلا أن بياناتها تكون خاصة بها وحدها، ويتم تنظيمها وفقًا لذلك.
ولا يعد هذا الأمر مؤشرًا على فشل الجهود السابقة في إدارة البيانات، إنما يسلط الضوء على أنه في بعض الأحيان، وعلى الرغم من بذل الشركة قصارى جهدها لتوحيد بياناتها، فإن الظروف الخارجية تعمل على خلق نهج انعزالية البيانات. ولسوء الحظ، فإن التجميع بعد الاندماج ليس بالمهمة السهلة على الإطلاق، إذ أن ذلك يتطلب استثمارًا كبيرًا.
وإذا لم يكن لدى المؤسسة التي تم الاستحواذ عليها خبرة في أساس البيانات، فقد يتضمن تجميعها تحديات تتجاوز عملية التنسيق، إذ قد يواجه القائمون على الشركة مشكلة ثقة حقيقية. فكيف يمكنهم الاعتماد على المعلومات واستخدام البيانات في مشاريع جديدة إذا كانوا لا يعرفون أصولها، خاصة وأن البيانات قد تختلف حسب مكان وسبب إنشائها. وتعتمد الثقة في البيانات على التعرف على الأدوات وتنفيذها لمعرفة أساس البيانات، والغرض أو السياق الخاص بكيفية إنشائها واستخدامها.
أسواق البيانات
تستخدم الشركات المعلومات من أسواق البيانات بهدف اختبار نماذج الأعمال وبناء الخوارزميات واتخاذ القرارات الصحيحة. وخير مثال على ذلك، شركات الإعلان والتسويق، التي تشتري المعلومات لإثراء وتعزيز فهمها لسلوك العملاء.
ومع ذلك، فإن شراء البيانات من الأسواق ينطوي على جوانب سلبية، حيث غالبًا ما تكون بيانات أصول منفصلة، وعادةً ما يكون مصدر البيانات ضمنيًا ولكن إثبات نَسب تلك البيانات يمكن أن يكون أمرًا في غاية الصعوبة. وقد تقدم الشركات التي تبيع المعلومات البيانات وفق تنسيقات مختلفة، مما قد يضطر الشركات إلى تحويل بيانات السوق وتنظيفها قبل استخدامها في عمليات صنع القرار.
وبالنسبة لقادة الأعمال، فإن معرفة مصدر بياناتهم يساعد في بناء الثقة، وتسهيل تحويل تلك البيانات إلى رؤى قابلة للتنفيذ. وفي الوقت الراهن يعتقد 40٪ من المشاركين في دراسة فوريستر في المملكة العربية السعودية، أن أسواق البيانات تخلق المزيد من النهج الانعزالية للبيانات، لأن أساس البيانات غالبًا ما يكون غير معروف.
ومع زيادة أهمية خلق فهم راسخ للبيانات، ستكون المملكة أكثر توافقًا مع نظرائها العالميين بمجرد إقرار قانون رسمي لخصوصية البيانات. وسيتمكن المستخدمون من معرفة كل مكان كانت بياناتهم فيه، وما إذا كانت جديرة بالثقة أم لا، وذلك من خلال تحديد أساس المعلومات. وقد تم في الوقت الراهن وضع لوائح مؤقتة لإدارة البيانات لتغطية لوائح حماية البيانات الشخصية، بينما تشير التوقعات إلى أنه سيتم إقرار قانون وطني لخصوصية البيانات في المستقبل القريب.
الإدارة الاستباقية للبيانات
ستدرك الشركات أن عمل البيانات لا يمكن أن ينتهي، وذلك مع نمو حجم البيانات وسرعتها، واستمرار الشركات في إجراء المعاملات. إلا أنها يمكن أن تتبنى أفضل الممارسات بشكل مسبق، بحيث لا يؤدي استئجار البيانات أو الاندماج مع شركة أخرى إلى تراجعها عدة خطوات إلى الوراء. ويمكن للتدابير الصحية المسبقة إنشاء نظام رسمي لجمع البيانات معًا، وتحديد المشاريع التي يمكن أن تستخلص أفضل قيمة من البيانات.
وفي النهاية، لا يرغب أحد بالوقوف في طريق تقدم الأعمال، إلا أنه من الضرورة أن تقوم الشركات بتعزيز بنية انضباط البيانات، وأن تكون على دراية تامة بالمخاطر التي ينطوي عليها إضافة أنظمة وبيانات جديدة.