بقلم هايدي نصير، مدير أول لمجموعة حلول العملاء في “دِل تكنولوجيز” الشرق الأوسط وروسيا وأفريقيا وتركيا
فرض العام الماضي ضرورة ملحة للتحول الرقمي بين عشية وضحاها، بسبب الحاجة إلى تمكين المستخدمين من العمل والتعلم عن بُعد. وكان على العديد من المؤسسات القيام بتسريع قدراتها الرقمية لحماية موظفيها وطلابها ومرضاها ومجتمعاتها. وبدلاً من الاضطرار إلى الذهاب إلى العمل أو المدرسة أو المطاعم أو التسوق خارجًا، وفرت لنا التكنولوجيا فرصة للقيام بكل ذلك دون أن نغادر منازلنا.
وبعد هذه التجربة فإنه يمكننا القول بكل ثقة أن عالم القيام بالعمل من أي مكان سيبقى حتى بعد انتهاء الجائحة، وسوف نواصل رؤية المزيد من الأشخاص يقومون بأعمالهم من أي مكان يكونون فيه. والسؤال الذي ينبغي أن نطرحه هو: هل المؤسسات مستعدة للبناء على هذه القدرات لتكون جاهزة للإمكانيات الهائلة التي يعد بها المستقبل؟
لقد حان الوقت الآن للمؤسسات لإعادة تقييم قدراتها للعمل والتعلم عن بُعد، وذلك بهدف بناء مكان عمل رقمي جاهز لأي شيء ويضمن الإنتاجية.
إنتاجية مخصصة من أي مكان
تعد تجارب المستخدم المخصصة والتعاون الذكي أمرًا في غاية الأهمية لتحقيق إنتاجية سلسة. ومن أكبر التحديات التي تواجه الإنتاجية، استخدام تكنولوجيا تعيق المستخدم النهائي من خلال بطئها وعدم موثوقيتها، الأمر الذي يؤدي إلى إحباط المستخدم وزيادة التوقفات. أما تجربة المستخدم الإيجابية فإنها تؤدي إلى زيادة الإنتاجية ومستويات المشاركة والتحفيز والرضا.
ويعد تطوير “شخصيات المستخدم” بناءً على كيفية ومكان القيام بالعمل نقطة البداية في هذا الموضوع، حيث يمكن على سبيل المثال أن يشمل ذلك مستخدمين مركزيين يتواجدون في المكتب، أو مستخدمين تقنيين أو محترفين متنقلين. وتختلف احتياجات كل شخصية عن الأخرى وفقًا للبيئة التي يعملون فيها والتطبيق الذي يحتاجون إليه، وبالتالي ينبغي أن تكون التكنولوجيا التي يستخدمونها مختلفة وفق ما يتناسب مع كل حالة على حدة. وتتيح عملية التحديد هذه للمؤسسة خلق التجربة المثلى وبأقل تكلفة. ويؤدي وجود عدد محدود من شخصيات المستخدم إلى تخصيص كبير للموارد يمكن أن تتجاوز احتياجات المستخدمين، أما وجود عدد كبير جدًا من شخصيات المستخدم فسيعيق القدرة على التحكم بها، ومع ذلك، فإن تحديد الرقم الصحيح من شخصيات المستخدم، يتيح للمؤسسة توفير النوع المناسب من الأجهزة والملحقات وقدرات الاتصال والتطبيقات والبيانات لكل شخصية منها، مما يخلق أفضل تجربة مستخدم بأكثر الطرق فعالية من حيث التكلفة.
يجب أن يكون مستقبل العمل آمنًا ومرنًا لدعم المستخدمين عن بُعد
تستفيد التهديدات التي تتزايد وتتطور باستمرار، من نقاط الضعف المرتبطة بالعمل والدراسة عن بعد. وتشير دراسة تم إجراؤها لصالح شركة VMware Carbon Black، إلى أن هناك ارتفاع بنسبة 148٪ في معدلات هجمات برامج الفدية على شركات عالمية في خضم جائحة كوفيد-19. وينبغي للشركات أن تبقى متقدمة بالنسبة لمنحنى الجرائم الإلكترونية لتتمكن من حماية نقاطها النهاية وبنيتها التحتية.
ويشير تقرير مؤشر التحول الرقمي من دِل تكنولوجيز لعام 2020 للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، إلى أن خصوصية البيانات والأمن السيبراني يعدان من بين أهم ثلاثة عوائق تحول دون تقدم أجندات التحول الرقمي في البلدين. ويعد تحسين البنية الأساسية للشركة، من خلال توفير قدرة وصول موثوقة وآمنة إلى التطبيقات والبيانات، سواء كانت تعمل محليًا أو في السحابة أو في كليهما، أمرًا ضروريًا لدعم المستخدمين الذين يعملون ويتعلمون عن بُعد.
ماذا يمكننا أن نفعل الآن لنساعد أنفسنا في المستقبل؟
سيوفر لنا التحول الرقمي المؤسسي الذي شرعنا فيه اليوم المرونة التي نحتاجها للتكيف مع متطلبات المستقبل. ويشير تقرير صادر عن مؤسسة البيانات الدولية IDC، إلى أنه من المقرر أن يصل إجمالي الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المملكة العربية السعودية إلى 32.9 مليار دولار هذا العام، بزيادة قدرها 1.5٪ عن العام 2020. وفي إطار رؤية السعودية 2030 الطموحة، تهدف المملكة إلى التحول إلى مركز تنافسي عالمي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مع اعتماد تقنيات حديثة وبناء مجتمع معلوماتي. وتساهم تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والسحابة بتغيير طريقة عملنا بسرعة كبيرة، بدءًا من الحاجة إلى نشر الأجهزة وضمان أمنها وإدارتها ودعمها من السحابة، وصولًا إلى أتمتة العمليات والمهام الزائدة عن الحاجة، الأمر الذي من شأنه منح حرية ووقت أكبر للموظفين ليصبحوا أكثر إبداعًا وابتكارًا. ولذلك فإن الشركات بحاجة للتكيف بسلاسة مع عالم جديد من العمل دائم التطور.
ومع ذلك ينبغي أن نتأكد من أننا نقارب التغيير بعناية بالغة، إذ أن التحول الرقمي قد ينطوي على تعقيدات تقنية وصعوبات مالية. ولضمان نجاحنا في ذلك سواء الآن أو بعد انقضاء هذه الفترة التي يسودها عدم التيقن، فإننا بحاجة إلى أن نبدأ بشكل محدود أو ما ننطلق عليه تسمية “افعل ذلك على نطاق محدود”، ثم نبني على ذلك من خلال تجميع استراتيجية عمل عن بُعد شاملة وتتضمن تحديد شخصيات المستخدم الملائمة والتطبيقات المطلوبة، والأجهزة والملحقات وعوامل الأمن ومستويات النشر وقابلية الإدارة، وهذا ما نسميه “افعل ذلك بشكل صحيح”، وهكذا نرسي أسسًا لتحقيق النجاح.
لا شك بأن نموذج مكان العمل الهجين سيستمر حتى بعد انتهاء الجائحة. وتركز الشركات بشكل أكبر على إعادة ترتيب أولويات استثماراتها التقنية لضمان أمن القوى العاملة عن بعد، وتطبيق أدوات تتيح استمرار الموظفين بالعمل بشكل منتج من المنزل وأي مكان آخر. ولنتمكن من المضي بحرية في خضم هذه التغيرات الآن وفي المستقبل، فإننا بحاجة إلى اعتماد تقنيات قابلة للتكيف، تستوعب طرقًا جديدة للعمل بسلاسة وأمان.