فيما تبحث الشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي وخصوصاً في المملكة العربية السعودية عن حلول لمواجهة التحديات الجديدة ونقل الإدارة للأجيال المستقبلية، باتت المرأة تتمتع بفرص أكبر لتولي دور أكثر فعالية من ذي قبل وفقاً للدراسة المشتركة الصادرة عن مركز السيدة خديجة بن خويلد بالغرفة التجارية بجدة وشركة “ستراتيجي &” (بوز آند كومباني سابقاً).
وقامت الدراسة ببحث دور المرأة في الشركات العائلية على امتداد دول مجلس التعاون الخليجي، واعتمدت على منهجية شاملة بناءً على نتائج العمل مع قاعدة واسعة من العملاء، إلى جانب المعلومات والبيانات المتاحة، بالإضافة إلى مقابلات مع شركاء وأصحاب مصالح مشتركة لـ 30 من أبرز الشركات العائلية بالمملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج خلال فترة امتدت لاثني عشر شهراً.
أكدت الدراسة أن السعودية تشهد تحسناً متواصلاً في زيادة مشاركة المرأة في التنمية الوطنية ، مما يعزز من مشاركتها ويحفز توليها دوراً أكبر في الشركات العائلية. فهناك تطورات إيجابية من ضمنها تحسين فرص التعليم و الابتعاث الخارجي في تخصصات متنوعة، إلى جانب السياسات الحكومية الداعمة لإشراك المرأة في عملية التنمية الاقتصادية. وتساهم جميع هذه العوامل في تشجيع تولي المرأة لأدوار قيادية أكبر في أعمال عائلتها.
وأظهرت الدراسة أن الكثير من الشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي ستشهد انتقال الإدارة إلى الجيل الثالث من العائلة، وذلك خلال فترة تمتد من خمس إلى عشر سنوات قادمة. ويشكل نقل الإدارة بين أفراد العائلة أحد أبرز التحديات التي تواجه الشركات العائلية، لكنه قد يشكل فرصة للاستفادة بشكل أكبر من قاعدة المهارات في العائلة، وذلك ليس حصراً على أفرادها الذكور. فبينما تنتقل حصص بعض أسهم الشركة كجزء من الميراث إلى أفراد العائلة الإناث، بدأت مطالبهن بتولي أدوار أكبر في حوكمة وإدارة أعمال الشركة.
وتعليقاً على نتائج الدراسة قالت الدكتورة بسمة مصلح عمير المديرة التنفيذية لمركز السيدة خديجة بنت خويلد بالغرفة التجارية الصناعية بجدة :”نظراً لاهتمام دول مجلس التعاون الخليجي بالدور الاقتصادي للمرأة ووضعه في مقدمة أولوياتها، تشكل هذه المرحلة حافزاً هاماً للشركات العائلية، إذ باتت الآراء المتنوعة لجميع أفراد العائلة تكتسب قيمة أكبر في الشركات العائلية، وازداد إدراك أهميتها انتشاراً، ويأتي ذلك فيما تواجه معظم الشركات العائلية في المنطقة مرحلة انتقال الإدارة والملكية من الجيل الثاني إلى الجيل الثالث”، ولفتت إلى هذه المعطيات أوجدت بيئة داعمة تتيح استفادة الشركات العائلية من مساهمة أفراد العائلة من الإناث، وباتت معها هذه الشركات على امتداد المنطقة تتطلع إلى أفضل الممارسات العالمية وباتت تدرك تزايد دور المرأة كقوة داعمة لأعمال العائلة في نظيراتها من الشركات الأجنبية.
وأشارت العمير إلى وجود عدد من التوجهات التي ساهمت في ازدياد الدور القيادي للمرأة خلال العقدين الماضيين، ومن ضمنها تغيرات الظروف الاجتماعية، على غرار العائلات الأصغر حجماً وارتفاع معدل سن الزواج، بالإضافة إلى جهودة المرأة لاكتساب مهارات الضرورية لتولي أدوار أوسع وأكثر تنوعاً في عالم الأعمال، إلى جانب تنامي تقبل المجتمع الذي يحفز المرأة على المشاركة أكثر في الأعمال العائلية.
وكشفت الدراسة عن تحديات رئيسية تواجه مشاركة المرأة في الشركات العائلية، والتي تتضمن المفاهيم الثقافية للمجتمع الشرقي، بالإضافة إلى الفجوة بين متطلبات العمل ومستوى تعليم وتدريب المرأة.
كما تأتي قلة الاهتمام أو ضعف التحفيز لدى المرأة للمشاركة في أعمال العائلة ضمن قائمة التحديات، بالإضافة إلى احتدام المنافسة في العائلات الكبيرة للحصول على مناصب محدودة في الإدارة العليا، مما يظهر أهمية أن تقوم المرأة بتطوير مهاراتها بما يواكب نظرائها من الرجال.
تطور دور المرأة في الشركات العائلية الخليجية
من جانبه أكد رامي صفير، شريك في “ستراتيجي &”، والمشرف على فريق الشركات العائلية في الشرق الأوسط، أن الاستفادة المثلى من مهارات المرأة في الشركات العائلية تتطلب أن يتفهم أفراد العائلة من الرجال طموحات المرأة، بالإضافة إلى مواكبة المرأة لمستوى توقعات الرجال في العائلة، وأضاف :”يتركز عمل المرأة في الشركات العائلية الخليجية ضمن مجالين، يتمثل الأول في قطاعات الأعمال الأساسية، على غرار الإدارة وحوكمة الشركات، فيما يتجسد المجال الثاني في الأنشطة الداعمة لأعمال العائلة، على غرار تعزيز القيم العائلية وتحضير الجيل القادم للانضمام إلى الشركة. ولطالما لعبت المرأة أدواراً محددة بوضوح في كلا المجالين”.
كما تعتبر العديد من العائلات الخليجية أن العمل الخيري يشكل المجال المثالي لمشاركة المرأة في أعمال العائلة، إذ يتيح مرونة كافية من حيث ساعات العمل مقارنة مع الدوام الكامل ضمن الشركات، مما يساعدها على لعب دور أكثر فعالية في تطوير وتنفيذ برامج تنموية لمساعدة المحتاجين، وذلك بالاستفادة من ما تتمتع به المرأة عادة من روابط اجتماعية وذكاء عاطفي دون الحاجة إلى مهارات واسعة في مجال المال والأعمال.
وأضاف صفير :”يتطلب تنفيذ نموذج معين للحوكمة وتخطيط انتقال الملكية والإدارة إلى تصميم دقيق لعملية نقل القيم إلى الجيل التالي، وهنا تضطلع المرأة بدور حيوي في نقل ثقافة العائلة بين الأجيال عبر مجالين، يكمن الأول في ضرورة أن يتم الاعتراف بدور المرأة من أفراد الجيل الثاني والثالث مع إرشادها لتعزيز مساهمتها في نجاح العائلة، أما المجال الثاني فيتمثل في الاعتراف بالدور التربوي والتعليمي للمرأة وأهمية تأثيرها على الأجيال المستقبلية، وتشجيعها شخصياً على تولي دور المرشد والمربي في العائلة”.
وفي ظل الأثر الواسع للمرأة، فإن للحكومات مصلحة أساسية في تشجيع مشاركتها في الشركات العائلية، ومن الضروري بمكان مواصلة الجهود الحكومية لتمكين مشاركة أكبر للمرأة في التنمية الوطنية وإزالة الحواجز الاجتماعية التي تعيق إشراكها بشكل فعلي. وعلى الحكومات أن تلعب دوراً قيادياً في الدعم والتحفيز ونشر الوعي حول دور إشراك المرأة في الشركات العائلية في مساعدة تلك الشركات على نقل إدارتها وملكيتها للأجيال القادمة في بيئة خارجية أكثر تنافسية. ويمكن للحكومات أن تضمن حصول المرأة على التعليم والتدريب المناسب مع التركيز على الإدارة والتمويل، ويمكن في بعض الحالات أن يتم دراسة تحديد حصص معينة للنساء في الشركات على غرار تلك المخصصة لهن في سياسة التوطين.
أهمية الدعم الحكومي
وقامت الدراسة بتسليط الضوء على النجاحات التي حققتها المرأة الخليجية في ردم الفجوة بين الجنسين في المدارس الابتدائية والثانوية. وفي دولة الإمارات على سبيل المثال، وفي ظل التمويل الحكومي لدراسة المواطنين وصولاً إلى المرحلة الجامعية، فإن الفجوة بين الجنسين في الالتحاق بالمدارس الإعدادية باتت ضئيلة. أما في التعليم العالي، فإن أعداد الإناث تفوق الذكور في نسب الخريجين على امتداد دول مجلس التعاون الخليجي، وبدأت المرأة في دخول مجالات لطالما هيمن عليها الذكور في السابق، مما يواكب متطلبات الشركات العائلية التي تنتمي لها الإناث. وعلى عكس النظرة التقليدية، تقبل المرأة بشكل أكبر على مواصلة تعليمها الجامعي في حقول العلوم والأعمال والحقوق والهندسة، ويأتي ذلك بدعم من المنح الدراسية الخارجية التي تتلقاها أعداد أكبر من الإناث.
وبالرغم من الخطوات المهمة التي حققتها دول مجلس التعاون الخليجي في إطار تعليم المرأة، لكن مشاركة الإناث في قوى العاملة ما تزال أقل من الدول المتقدمة، حيث تصل في دول المنطقة إلى 30 % مقارنة مع 70 – 80 % لمعظم دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وعلى صعيد أكثر أهمية، أظهرت دراسة صدرت مؤخراً عن منظمة العمل الدولية وجود تباينات شاسعة في مشاركة المرأة في القوى العاملة ضمن دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تدخل 18.2 % من الإناث في السعودية إلى القوى العاملة، فيما تصل النسبة إلى 28.6 % في سلطنة عمان و 39.4 % في البحرين و 46.6 % في الإمارات و 43.4 % في الكويت و 50.8 % في قطر.
ولفتت العمير إلى أن القدرة على إدارة القضايا المالية والمحاسبية باتت من المهارات الضرورية في عالم المال والأعمال، حيث أشار 50 % من المشاركات في اللقاءات التي أجراها فريق الدراسة إلى أن أحد أبرز التحديات يتمثل في ضعف المهارات المالية ، وأكدت ضرورة التركيز على هذا الجانب من قبل المرأة ، وذلك من خلال تنمية مهاراتها الإدارية والمالية لتعزيز قدرتها على اتخاذ قرارات مبنية على المعرفة وتمكينها من إدارة الأموال والأعمال بمقدرة وكفاءة، وأكدت على أهمية دعم قيادات الشركات العائلية لتطور دور المرأة عبر تزويدها بالتدريب المناسب مما يؤهلها لتولي دورها في أعمال العائلة، ودعت الحكومات أيضاً إلى القيام بخطوات أكبر لرعاية وتشجيع الدورات التدريبية المخصصة للمرأة في مجالات حيوية من ضمنها المالية والمحاسبة والإدارة.
كما أشارت الدراسة إلى أن التنوع بين الرجال والإناث في الشركات العائلية عادة ما يرتبط بأهداف مؤسس الشركة لحصر عضوية مجلس الإدارة بأفراد العائلة، بما يشمل أبنائه وبناته. لكن وبالرغم من ترشيح الإناث من أفراد العائلة لعضوية مجلس الإدارة، أظهرت الدراسة محدودية عدد الإناث اللواتي يساهمن بفعالية أو يشاركن في اجتماعات مجالس الإدارة، والذي قد يكون نتيجة قلة جاهزية المرأة لهذا الدور أو ضعف اندماجها في البيئة المؤسسية للشركة.
وفي ظل هذه التحديات، حددت الدراسة ثلاث مجالات أساسية يمكن أن تدعم مساهمة المرأة في الشركات العائلية الخليجية وتتمثل في مستوى التعليم العالي للمرأة، بالإضافة إلى نمو مشاركة المرأة في القوى العاملة وفي ريادة الأعمال بشكل تدريجي، إلى جانب مبادرة الشركات العائلية بإعادة النظر بسياسات الحوكمة وخطط نقل الإدارة والملكية للأجيال القادمة.
وأكدت الدراسة على أهمية التركيز على هذه التوجهات الأساسية من قبل الأفراد الأكبر سناً في العائلة ومن قبل الحكومات أيضاً، إذ تساهم التوجهات الثلاث في إحداث التأثير المنشود في تدعيم الميزات التنافسية للشركات العائلية التي تأتي نتيجة إشراك المرأة في الإدارة. ويمكن لقادة الشركات العائلة الاستفادة من هذه التوجهات من خلال ضمان تسخير التعليم الرسمي والتدريب لجميع أفراد العائلة من أجل تأهيلهم لتولي أدوار إدارية في أعمال العائلة.
وأكد صفير على أهمية الدعم الحكومي لتوظيف المرأة نظراً لدوره الإيجابي في تشجيعها على لعب أدوار أكثر فعالية في أعمال عائلتها. فعلى سبيل المثال، يُتوقع من المرأة أن تتولى مناصب أعلى إدارياً في المرحلة الأولى لحياتها المهنية، أو أن تدخل عالم ريادة الأعمال وتأسس مشاريع جديدة ضمن أو خارج أعمال عائلتها. وأوضح أن تحول التوجه الاقتصادي الوطني لتوفير دعم أكبر لتوظيف المرأة ينعكس إيجاباً على الشركات العائلية، لافتاً إلى عدم وجود أي خطط في السابق لتطوير إمكانات وقدرات أفراد العائلة من الإناث.
توقعات مستقبلية
ما تزال مشاركة المرأة في الشركات العائلية ظاهرة حديثة العهد في دول مجلس التعاون الخليجي، ويمكن من خلال هذه التوجهات تنمية إشراك المرأة في الشركات العائلية. وفي حال تم تأطير ما تتمتع به من مثابرة واهتمام وحماس ضمن القنوات المناسبة للتدريب والإرشاد والدعم والتواصل الأمثل، فإن المرأة تساهم في تعزيز قوة أعمالها وعائلتها في آن واحد.