نشهد اليوم على الصعيد العالمي عدداً متزايداً من البنوك المتخصصة في تقديم الخدمات المصرفية للشركات والتي تسعى إلى توسيع مبادراتها الرقمية إلى ما وراء حدود التواجد على الإنترنت عبر مواقعها الإلكترونية. لكن على الرغم من ذلك، ما يزال القطاع المصرفي في منطقة الشرق الأوسط بطيئاً في تبني حركة التحول الرقمي على نحو يواكب اللاعبين الدوليين. جاء ذلك ضمن دراسة جديدة أصدرتها مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب (BCG) شملت عملاءها من البنوك المتخصصة في تقديم الخدمات المصرفية للشركات في جميع أنحاء العالم.
وفي تقريرها الجديد بعنوان “بلوغ التحول الرقمي ذراه في قطاع البنوك المتخصصة في تقديم الخدمات المصرفية للشركات”، هدفت المجموعة لمساعدة هذه البنوك على فهم دور الخدمات الرقمية في صياغة توقعات العملاء من خلال إجراء استقصاء للآراء في 660 شركة عبر 13 سوقاً متقدمة وناشئة و23 قطاعاً. وقد شارك في هذا الاستقصاء في المجمل 1112 متعاملاً من 14 دولة بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية* وفرنسا وألمانيا وبولندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. وكشفت النتائج أن البنوك في منطقة الشرق الأوسط تتخلف بشكل كبير عن نظيراتها العالمية في ما يتعلق بنطاق ونوعية عروضها الرقمية في مجال الخدمات المصرفية للشركات.
هذه النتائج مثيرة للقلق إذ أنها توضح أنه بحلول العام 2021 قد تشهد هذه البنوك غير المواكبة للتحول الرقمي انخفاضاً في الأرباح بنسبة تتراوح ما بين 15٪ إلى 30٪ مقارنة مع قريناتها الرائدة في مجال التحول الرقمي.
وصرّح ماركوس ماسي، أحد الشركاء والمدراء الإداريين في مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب بالشرق الأوسط، والذي شارك في إعداد التقرير، “لقد بدأت بالفعل مجموعة من البنوك واللاعبين غير التقليديين على الصعيد العالمي، ممن طوروا منصات رقمية متقدمة، تحقيق أرباح جيدة بفضل مزايا الخدمات الرقمية التي تشمل السرعة في تقديم الخدمة وانخفاض تكلفة المدفوعات عبر الحدود والموافقة المسبقة على الائتمان والمعدلات المتميزة في تصريف العملات الأجنبية. وفي ضوء هذا كله، فهي تحقق زيادة في الإيرادات السنوية تتراوح بين 3٪ إلى 6٪ مقارنة مع أقرانها”.
ومن شأن مزايا إعادة الاستثمار، مصحوبة بالزخم والخبرة التي اكتسبتها البنوك السباقة في مبادرات التحول الرقمي، أن تجعل مواكبة هذه البنوك الرائدة أكثر صعوبة بالنسبة لقريناتها التي ما زالت متأخرة في هذا المجال – مثل بنوك الشرق الأوسط – إذ سيتوجب عليها تأمين الكفاءات والموارد اللازمة للحاق بها. ولسدّ هذه الفجوة، يتعين على إدارات البنوك المتخصصة في تقديم الخدمات المصرفية للشركات أن تبادر بسرعة إلى تبني استراتيجية رقمية واضحة والتحرك بشكل حاسم لتطوير المهارات والقدرات الضرورية.
ومن جانبه، قال أليساندرو سكورتيشي، أحد مدراء المشاريع في مجموعة بوسطن كونسلتيج جروب والذي شارك أيضاً في إعداد التقرير، “يقدّم التحوّل الرقمي مزايا كثيرة أهمها سهولة الحصول على الخدمات المصرفية عبر الإنترنت، والاستشارات الرقمية المطورة، ودعم اتخاذ القرار بشكل آني ومباشر. وتشير نماذجنا إلى أن هذه الاستراتيجيات يمكن أن تعزز الإيرادات في بنوك الشرق الأوسط بنسبة 15٪ إلى 40٪ وتحسّن التكاليف إلى الدخل بنسبة 7 إلى 15 نقطة مئوية على مدى خمس سنوات. ولكن كل من هذه الاستراتيجيات يتطلب مستوى معين من الاستثمار مقدماً”.
الأرقام
في حين أن عدد قليل من بنوك الشرق الأوسط يوفر الخدمات الأساسية، مثل دفع الفواتير والموافقة على الدفع وإدارة النقد، لا يوجد بنك في المنطقة – من ضمن البنوك التي شملتها دراسة بوسطن كونسلتينج جروب – يوفر حالياً خدمات عملاء عبر الإنترنت من قبيل الدردشة الإلكترونية أو أدوات وتحليلات الأعمال التجارية عبر الإنترنت، وهي خدمات أصبحت منتشرة على نطاق واسع في الأسواق الأخرى.
ومن المثير للاهتمام أنه، استناداً إلى نتائج الدراسة، هنالك معدلات استخدام أعلى للتقنيات الرقمية في مجال الخدمات غير المصرفية بمنطقة الشرق الأوسط، مقارنة مع المناطق الأخرى. كما أبرزت الدراسة أن 34٪ فقط من الشركات على الصعيد العالمي تستخدم الخدمات غير المصرفية (مثل أمازون وريبل وغيرها)، مقابل 56٪ في الشرق الأوسط.
وبشكل عام، وجدت الدراسة أن العملاء في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لا يزالون يعتمدون في الغالب على الوسائل التقليدية للتواصل مع بنوكهم.
وأضاف سكورتيشي: “كشفت دراسة بوسطن كونسلتينج جروب أن ثلث المشاركين في الاستطلاع من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية (33٪) استخدموا البريد الإلكتروني في آخر تواصل لهم مع مدراء حساباتهم للحصول على الاستشارة، في حين قام 30٪ بذلك عبر الهاتف، و26٪ شخصياً. وبالإضافة إلى ذلك، لجأ 30٪ من المشاركين إلى الاجتماع شخصياً مع مدير الحساب لمجرد ملء استمارة”.
فجوة متنامية
وشرح ماسي قائلاً، “تظهر دراسة بوسطن كونسلتينج جروب أن أكثر من نصف العملاء في الشرق الأوسط على استعداد للتبديل والانتقال إلى شريك مصرفي قادر على تقديم خدمات رقمية ذات قيمة أعلى”. والأهم من ذلك، أكثر من 80٪ على استعداد لدفع رسوم للاستفادة من هذه الخدمات. وستتيح تلبية هذه المتطلبات للبنوك التي تواكب التحول الرقمي في الشرق الأوسط فرصة نادرة لتغيير مسار نموها بشكل ملحوظ.
وتدل هذه الآراء إلى أن عملاء قطاع الأعمال في منطقة الشرق الأوسط يتطلّعون إلى التواصل إلكترونياً مع شركائهم من البنوك المتخصصة في الخدمات المصرفية للشركات، لا بل أن معظمهم يتوقع حد أدنى من الخدمات الرقمية.
بدوره، قال محمد تورا، مدير أول وخبير رقمي، “الواقع أنه تحقيق أبسط مستويات التحول الرقمي يستوجب على بنوك الشرق الأوسط أن تتبنى رؤية واضحة قائمة على مستوى النضج الرقمي الحالي. كما أنه يتطلب التزاماً مستمراً بإعادة تصميم النظم والعمليات، حيث لا ينفع الاقتصار على تكييف التقنيات مع البيئة المصرفية المعاصرة”.
ومن حيث التوقعات، تشير نتائج الاستبيان إلى أن عملاء البنوك في الشرق الأوسط يولون أهمية بالغة لعوامل مثل سهولة الاستخدام والراحة. وضمن هذا الإطار، أظهرت الدراسة أن 62٪ من المشاركين في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية يعتقدون أن الخدمات المصرفية عبر الإنترنت يجب أن تكون سهلة التصفح والاستخدام كما هو حال موقع أمازون، عملاق تجارة التجزئة عبر الإنترنت.
وعلى نحو مماثل، يعتقد 64٪ أنه لا يتوجب على البنك أن يطلب منهم استكمال نفس الطلب مرتين على الإطلاق. كما أشار ما مجموعه 59٪ على أنه يجب أن يكون العميل قادراً على الحصول على منتج جديد أو خدمة ما بعد 2-3 نقرات، أو إتمام معاملات الصرف الأجنبي على الإنترنت. فضلاً عن ذلك، ترى نسبة مذهلة قدرها 70٪ من المشاركين في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أن البنوك يجب أن توفر صفحة موحدة لتسجيل الدخول عبر الإنترنت لجميع الخدمات النشطة. بالمقابل، يرى 70٪ بأنه يتوجب الحصول على أسعار أفضل ما أن يباشر مصرفهم التعامل إلكترونياً بشكل شبه كامل. وأخيراً، أعرب 71٪ أنه يجب أن يتوفر خيار مراجعة البيانات المصرفية والمعاملات عبر الإنترنت.
وبناء على هذا، فمن الواضح أن التحول الرقمي يقود التوقعات. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستكون البنوك في الشرق الأوسط قادرة على تلبية هذه المطالب؟ وقد أثبتت بالفعل البنوك العالمية السباقة على صعيد التحول الرقمي أن العروض الرقمية يمكن أن تحسن بشكل كبير مستويات جودة خدمة العملاء، وتؤمّن مصادر جديدة للدخل، وتوفّر المزيد من فرص المبيعات. ويبدو أن الزمن وحده كفيل بإثبات إذا ما كانت البنوك في الشرق الأوسط قادرة على أن تحذو حذو قريناتها العالمية وتجني هذه الفوائد.
تم استبيان آراء ما يقارب 100 مشارك في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية خلال عام 2015 ضمن إطار دراسة بوسطن كونسلتينج جروب العالمية لعملاء البنوك المتخصصة في الخدمات المصرفية للشركات حول العالم.