شهد اليوم الثاني من فعاليات الملتقى السنوي الرابع لتعزيز السلم في المجتمعات المسلمة تنظيم ثلاث جلسات حملت عناوين “الإسلام والعالم”، و”الإسلام والعالم: مسارات التعارف والتضامن”، و”الخوف من الإسلام: الأسباب والسياقات”، وذلك بحضور وزراء ومسؤولين رفيعي المستوى ورجال دين من مختلف الأديان ومفكرين وباحثين.
وكان المشاركون قد بحثوا محور “الإسلام والعالم” في الجلسة الصباحية التي عقدت تحت عنوان “رؤية إسلامية للسلم العالمي” وترأسها معالي الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في جمهورية مصر العربية، واستضاف فيها كلاً من: الدكتور أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، وعضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة؛ والشيخ مصطفى سيريتش، مفتي البوسنة السابق وعضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة؛ والدكتور رضوان السيد أستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية وعضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة؛ ومعالي السيد نورلان إرميكبايف وزير شؤون الأديان والمجتمع المدني بدولة كازاخستان.
وقال الدكتور عبادي بأن الأديان بشكل عام والتوحيدية بشكل خاص كانت أعظم ما قُدّم للبشرية وأن وظيفة الدين هي تمكين الإنسان من الاستبصار والموازنة بين المصالح والمفاسد لأن الأديان جاءت للتمييز بين الخير والشر والحق والباطل، ولتحقيق مقاصد من أبرزها سعادة الإنسان في العاجل والآجل.
وأضاف أن الخلل في التعاطي مع الأديان يظهر في خوف أتباع الأديان من بعضهم البعض، وتأتي أهمية بحث هذا الجانب في أن “ميزانية الخوف” هي في غاية الضخامة، فالإنفاق على المسائل الحربية في بعض الدول يبلغ نحو 1.3 تريليون دولار أمريكي وهو مبلغ يكفي لإعاشة أكثر من نصف سكان العالم، وهذه الأسلحة التي تشترى لا يُستعمل منها إلا 7 في المائة وقت الحروب، أي أن الهدر والإنفاق على الخوف هو باهظ الكلفة، لذا فإن رفع الخوف سيمكننا من توفير المليارات التي يمكن إنفاقها على أشياء أكثر نفعاً.
من جانبه تحدث الشيخ مصطفى سيريتش، مفتي البوسنة السابق وعضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، عن الخيار الوحيد المتاح أمام المسلمين في الوقت الحالي وهو أن مستقبلهم يعتمد على تحقيق التقارب بين ذاكرتهم الماضية ومستقبلهم بما يحقق إمكانية تقدم الحياة البشرية.
وأشار إلى درجة كبيرة من الأهمية أن الأزمة تتمثل في خمسة أمور غير مفهومة بالشكل الصحيح عن الإسلام في الغرب، وخمسة أمور غير مفهومة لدى المسلمين عن الغرب. وذكر أن الأمور التي يجهلها الغرب عن الإسلام هي: 1- القرآن الكريم، إذ أن الغرب لا يتفهم أن القرآن الكريم المنزل غير قابل للتبديل؛ 2- الشريعة، إذ لا يدرك الغرب أن الشريعة لدى المسلمين هي رؤية عالمية أي أنها تشريع ديني ودنيوي؛ 3- محمد رسول الله: إذ لا يقبله الغرب المسيحي واليهودي على أنه رسول ويرونه على أنه معلم ديني كبير ويتعاملون معه بسخرية؛ 4- الجهاد، إذ يفهم الغرب هذه الكلمة على أنها العنف والحرب ضد الغرب ومؤسساته؛ 5- وضع المرأة، إذ أن الغرب لا يفهم أن المرأة في الإسلام تتمتع بذاتيتها وشخصيتها.
وفيما يخص الأمور التي يجهلها المسلمون عن الغرب ذكر: 1- الحرية، فالشرق لا يرفض الحرية كمبدأ للتقدم البشري والتاريخي ولكنه لا يفهم الحرية كما يفهما الغرب؛ 2- الديمقراطية، إذ لا زال الشرق يتردد في تقبل الديمقراطية المبنية على حق المواطن بالتصويت؛ 3- المؤسسات، إذ أن الشرق لا يفهم أهمية المؤسسات في الغرب؛ 4- حقوق الإنسان حيث تقع على عاتق الشرق مسؤوليات متعلقة بهذا الإطار؛ 5- السياسة، إذ أن سياسة الغرب تجاه المسلمين تعتبر غير مفهومة بالنسبة للمسلمين.
من جهته قال الدكتور رضوان السيد أن جميع الإصلاحات الجزئية على قيم الإسلام وأخلاقيات العمل وسلوكياته والتي تم العمل عليها طوال قرن كامل من الزمن لم تعد كافية ولا تساعد في ترميم التصدعات، ولا بد من رؤية جديدة تعيد الانتظام إلى المنظومة الإسلامية.
وتحدث عن “فقه العيش” و”فقه الدين” وبيّن أنه لم يعد هناك توافق بينهما، وأن الأخير أصبح في الوقت الحالي غير قادر على اللحاق بركب الأول مشيراً أن علماء المسلمين سعوا على مدى أكثر من 100 عام مواجهة حالة عدم التوافق هذه بمحاولات تجديدية حققت نجاحات جزئية صغيرة ولكنها لم تصل إلى الهدف الكبير إلى الآن.
بدوره أوضح معالي السيد إرميكبايف إلى أن الحديث عن تصادم الحضارات بدأ في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر حيث أخذت وتيرة تشويه صورة الإسلام تتصاعد، وخاصة مع استخدام المتطرفين والإرهابيين لشعارات إسلامية لتغطية جرائمهم، وقال بأن المشاكل الخاصة بالدين لا تنتج عن الفكر الإسلامي بل عن التفسير الخاطئ والكاذب لما هو مذكور في الإسلام، ويجب إظهار حقيقة ما لدينا في الإسلام وتوضيح الطبيعة السلمية لهذا الدين، مشدداً على الالتزام بالاعتدال الديني، وأن التوصل إلى حل لمشكلة الخوف من الإسلام يعتمد على جهود المسلمين في محاربة التطرف.
وترأس معالي الدكتور فيصل بن عبدالرحمن المعمر، الأمين العام لمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي لحوار الأديان الجلسة الثانية التي عُقدت تحت عنوان “الإسلام والعالم: مسارات التعارف والتضامن”، واستضاف فيها معالي السيد أحمد ولد أهل داود، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي في موريتانيا؛ الدكتور ويليام فندلي، أمين عام منظمة الأديان من أجل السلام؛ الدكتور علي بن تميم، رئيس مجلس إدارة أبوظبي للإعلام؛ والشيخ حمزة يوسف، نائب رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، رئيس كلية الزيتونة بكاليفورنيا.
واستهل معالي الدكتور المعمر الجلسة بالإشارة إلى أنه بعد الثورة الإيرانية وظهور الإسلام السياسي المتطرف أصبح المتطرفون يسعون لجعل الدين في خدمة السياسة وليس العكس، وأن الآفة التالية ضد الإسلام بدأت بعد أحداث 11 سبتمبر عندما أُطلق مصطلح الإسلام والغرب.
من جانبه قال معالي الوزير أحمد ولد أهل أن رسالة الإسلام عالمية وهي أكبر وأوسع من العولمة لأنها ترتقي إلى مستوى أوسع، وعلى الرغم من أن رسالة الإسلام كونية عالمية إلا أنها تعترف بالآخر وتضمن له خصوصيته، وتنطلق من مبدأ لا إكراه في الدين، وتؤمن بأن لكل أمة خصوصيتها.
وأشار إلى بعض الخصائص التي تميز رسالة الإسلام ومنها أنها تتسم بالخلود والقدرة على التعامل مع المستجدات، وباليسر والسهولة، وبأنها رسالة إنسانية بالمبدأ والتوجه، وتتصف بالاعتدال بين الدنيا والآخرة وتحقق التوازن ما بين الجانبين.
من جانبه أشار الدكتور فندلي إلى تجربته في العمل مع الأديان وبأن البشر مرتبطين مع بعضهم حيث يشتركون معاً بالكرامة الإنسانية التي أسبغها الله على البشر، والمرتبطة بخيرنا جميعا، وإن هذا الأمر يتطلب منا التضامن.
أما بالنسبة للصورة النمطية، فقد أوضح أنه على الجميع العمل لرؤية الجانب الجيد للطرف الآخر، مشيراً إلى أننا إذا كنا سنعمل معاً فيجب علينا مقاومة الشر الذي يفرقنا حتى نتمكن من العمل معاً.
من جهته أوضح الدكتور علي بن تميم إلى أن الخطاب في القرآن يتوجه إلى الناس بصرف النظر عن لونهم وعرقهم وجنسهم ودينهم، وأشار إلى أن الشيخ زايد بن سلطان أسس الدولة على مبدأ التعارف إذ كان يؤمن أن أصل البشر واحد ومصيرهم واحد وأن التساوي بينهم لا يعطي لأحد الحق في الطغيان على الآخر.
وأوضح أن المشروع الإماراتي يقف في وجه التطرف الفكري، وأن هذا الأمر لا يتطلب العمل على الصعيد العسكري فقط، بل معالجة على الأصعدة الفكرية والتربوية للتصدي لمنابع التطرف، مشيراً إلى أن دولة الإمارات تجدد التزامها بمحاربة التطرف إذ لم تعد أي دولة في العالم بمأمن عن خطره، مشدداً على ضرورة قيام العلماء المعتدلين فك الارتباط بين الإسلام والإرهاب والتطرف.
وأشار الشيخ حمزة يوسف إلى أنه على الرغم من الخوف من الإسلام إلا أن هذا الوقت هو الأفضل بالنسبة للإسلام من حيث انتشار المساجد في الغرب وممارسة المسلمين لشعائرهم بحرية بصرف النظر عما يقوم به بعض المتطرفون، وتحدث عن السلام وعن تحية الإسلام التي تبدأ بالسلام، وذكر المواضع في القرآن والسنة النبوية التي تنص على السلام في الإسلام مقدماً أمثلة من التاريخ الإسلامي عن السلام، وتطرق إلى مبدأ جهاد النفس.
أما الجلسة الثالثة والأخيرة من جلسات اليوم فقد ترأسها الدكتور محمد السنوسي، عضو مجلس أمناء المنتدى، واستضاف فيها الدكتور جيمس زغبي، رئيس مركز زغبي للأبحاث والدراسات، الولايات المتحدة الأمريكية؛ والدكتورة بيسا إسماعيل، عميدة كلية الدراسات الإسلامية، كوسوفو؛ والدكتورة كاثرين أوسبورن، المدير التنفيذي لمنظمة يداً في يد؛ والحاخام ديفيد سبيرستين، السفير السابق للحريات الدينية الدولية؛ والدكتور قاري عاصم، مستشار الحكومة البريطانية للتصدي لكراهية المسلمين.
واتسمت الجلسة بطابع حواري بين الضيوف وبين الحضور، وتطرقت إلى تاريخ منظمة يداً في يد والأسباب التي أدت إلى نشوئها في أعقاب انتشار الاضطهاد ضد المسلمين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتطرقت الجلسة إلى بعض السبل الكفيلة بالتوصل إلى حل للخوف من الإسلام في المجتمعات غير المسلمة.