باتت جودة الشبكة وأدائها العناصر الأكثر أهمية مع توسع تطبيق سياسات التباعد الاجتماعي وتوجه المجتمعات العالمية أكثر فأكثر للعمل والتعلم عن بعد، لا سيما وأن دراساتنا وأبحاثنا قد أظهرت بأن أداء الشبكة يعتبر الدعامة الأساسية لتعزيز الطلب في السوق وتحسين الأداء.
بقلم: بوريه ايكهولم، الرئيس التنفيذي لإريكسون.
أظهرت الأزمة العالمية التي اجتاحت قارات الأرض مع انتشار فايروس كورونا منذ أوائل هذا العام، القيمة الحقيقية للاتصالات المتنقلة في المجتمعات العالمية، حيث أثبتت شبكات الهاتف المحمول دورها الحيوي في توفير الأداء الفائق والدعم الموثوق للمستخدمين من الأفراد والمؤسسات عند الحاجة. ولكن الواقع، هو أن الأداء الفائق للشبكة لطالما لعب دوراً محورياً في تعزيز ديناميكيات السوق لفترة طويلة سابقة.
وتجدر الإشارة إلى أن ارتفاع الطلب لتعزيز أداء الشبكات وكفاءتها ليس بالأمر الجديد، حيث اعتبرت هذه العناصر المحرك الأول والدافع لتطور السوق منذ فترة طويلة جداً في عالم الاتصال.
قمنا منذ حوالي عقد من الزمن، بتحليل السبب الدافع لنمو الأعمال الذي شهده بعض مزودي الخدمة، بالتزامن مع ارتفاع عائداتهم مقارنة بمنافسيهم، واللذين أطلقنا عليهم لقب “المزودين المتصدرين”، حيث يتشابهون في العديد من السمات المشتركة، بالإضافة إلى اعتمادهم مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات في التخطيط وصولاً إلى تحقيق النمو المستدام المؤدي إلى تدفق العائدات. ويعتبر بحثهم الدائم والمستمر للتمايز عن منافسيهم لخلق مصادر جديدة للإيرادات، الدافع الأساسي وراء كل ما حققوه من إنجازات.
وفي تحليل جديد، يستند إلى دورة حياة بيانات تقنية الجيل الرابع في أكثر من ثلاثين دولة، تعمقنا بدراسة وتحليل دور الأداء الجيد للشبكات في تعزيز ريادة ” المزودين المتصدرين” وارتفاع عائداتهم. وقد أظهر البحث بأن الاستثمار في تعزيز جودة الشبكة وأدائها يعتبر الطريقة الأمثل التي يمكن اتباعها من قبل مزودي الخدمات لتخفيض معدل الاستنزاف/ أو رفع متوسط الايرادات لكل مستخدم (ARPU) .
وقد لاحظنا في جميع البلدان التي شملتها الدراسة، بأن مزودي الخدمة الذين يمتلكون شبكات ذات أداء أقوى وجودة أعلى، يتميزون بمعدل استنزاف منخفض أو متوسط أعلى للايرادات لكل مستخدم (ARPU) مقارنة بمزودي الخدمات الذين يمتلكون شبكات ذات جودة وأداء منخفضين.
تميز النصف الأول من ” المزودين المتصدرين” من ذوي الأداء الأعلى للشبكات، بمتوسط ايرادات لكل مستخدم أعلى بنسبة تفوق 31%، ومعدل استنزاف أقل بنسبة تقل عن 27%. أما النصف الثاني، حيث تنخفض جودة الشبكة بشكل عام، وجدنا أن بعض مزودي الخدمة لا يزالون يتمتعون بمتوسط عال للإيرادات لكل مستخدم بنسبة تفوق 61% ولكن مع ارتفاع بمعدل الاستنزاف الذي يفوق 39%، بينما تختبر مجموعة من المزودين مستوى معدل للإيرادات لكل مستخدم يصل إلى أقل من 14% مع معدل استنزاف منخفض يصل إلى أقل من 32%.
وبنظرة شاملة على جميع مزودي خدمات الاتصال عبر الأسواق المختلفة، يمكننا التأكيد بأن الأداء الفائق والجودة العالية للشبكة يرتبطان على نحو وثيق بارتفاع معدل الايرادات لكل مستخدم وانخفاض مستوى الاستنزاف على الشبكة.
أظهرت العديد من تحليلات المتغيرات المتعددة بأن أداء الشبكة يأتي بالدرجة الثانية بعد عوامل الاقتصاد الكلي في التأثير على معدل الاستنزاف. ومن المعلوم دون أدنى شك، بأن الاستثمار في تعزيز أداء الشبكة يبقى العامل الأهم في إسعاد المستخدمين، حيث أثبت الواقع حسب أحد كبار التنفيذيين في إحدى شركات تزويد خدمات الاتصال بأنه : “من السهل جذب العملاء، لكن التحدي الأكبر يتمثل في المحافظة عليهم عبر تعزيز أداء وجودة الشبكة”.
بشكل عام، يبدو أن تقلبات مستوى الايرادات لكل مستخدم ترتبط بشكل أساسي بعوامل الاقتصاد الكلي. وقد أظهرت دراساتنا التي سلطت الضوء على “المزودين المتصدرين” بأن النسبة الأكبر من الإيرادات يستفيد منها مزودو الخدمة الذين يستثمرون في تعزيز ورفع الأداء قبل غيرهم. وقد حققت مجموعة “المزودين المتصدرين” معدل نمو سنوي مركب بنسبة 9.9 % مع تقنية الجيل الرابع، في حين بلغ النمو ذاته لدى بقية المزودين في السوق -0.8%. ومع انتشار تقنية الجيل الخامس ارتفع هذا المعدل بمتوسط 15 % لدى “المزودين المتصدرين”.
ومن الواضح أن المستخدمين يهتمون بالدرجة الأولى بجودة الشبكة وأدائها، كما يلعب أداء الشبكة دور بارز في مبادرات التسويق الناجحة التي يطلقها مزودو الخدمات، ومن الامثلة على ذلك أن أحد أنجح عملائنا – الذين حققوا ايرادات عالية ونمواً ملحوظاً في السوق لسنوات عديدة – كانوا قد خصصوا أكثر من 50٪ من الإنفاق الموجه للتسويق للترويج لأداء الشبكة.
ورغم أهمية جودة الاتصال بالنسبة للمستخدمين من الأفراد، لكن المؤكد أن جودة الاتصال تكتسب أهمية قصوى لدى المستخدمين من المؤسسات، حيث يعتمد نشاطهم الاقتصادي واستمرارية أعمالهم إلى حد كبير على قدراتهم الاتصالية والتي تعتمد بالتالي على أداء وجودة الشبكة.
دراسات حالة حول أهمية أداء الشبكة
دعونا نلقي نظرة على ثلاثة أمثلة:
- مزود الخدمة الرائد في السوق الأوروبية يعزز مكانته على مستوى القطاع
يعتبر أداء الشبكة العنصر الرئيسي الذي يمكن المزودين المتصدرين من الحفاظ على ريادتهم التنافسية، بين عامي 2010 و 2015، خسرت إحدى الشركات الرائدة في السوق 4% من حصتها السوقية أمام منافس جديد يقدم خدمات اتصال بسعر أقل، والذي تجاوز الشركة الرائدة على مقياس معايير جودة الشبكات لشركة P3 – وهي الشركة العالمية الرائدة في مجال الاتصالات والهندسة والاختبارات الفنية. هذا الواقع دفع بالشركة الرائدة إلى اتباع استراتيجية جديدة تركز على زيادة النفقات الرأسمالية لتقديم تجربة أفضل على مستوى الشبكة، الأمر الذي أدى الى استعادتها الصدارة على مقياس معايير P3، وانعكست هذه النتائج إيجاباً على حصتها السوقية التي ارتفعت بمعدل 2%، إضافة إلى رفع متوسط الايرادات لكل مستخدم.
- تفوق أحد مزودي خدمات الاتصال في أحد الأسواق الناشئة
يساهم أداء الشبكة على نحو جذري في زيادة الحصة السوقية لمزودي خدمات الاتصال. فعلى سبيل المثال، حلت إحدى الشركات عام 2016، في المركز الثالث على مستوى القطاع بحسب حصتها السوقية، مع تراجع في مستوى معدل الإيرادات لكل مستخدم، الأمر الذي دفع بالشركة إلى تعزيز نفقاتها الرأسمالية في مجال الاتصالات المتنقلة عبر مضاعفة خدماتها من تقنية الجيل الرابع في المدن.
أدى هذا الأمر إلى تعزيز كفاءة وأداء شبكتها على مستوى السوق الذي تعمل فيه، ما انعكس ايجاباً على حصتها السوقية وأدى إلى رفع معدل الإيرادات لكل مستخدم، والذي يعتبر حالياً الافضل بين مزودي الخدمة الآخرين. أدت هذه الاستراتيجية أيضاً إلى تعزيز مكانتها السوقية لتحل في المركز الثاني، كما ساهم الاستثمار على مستوى الشبكة في رفع عدد الاشتراكات بنظام الدفع الآجل، مع ارتفاع في الأرباح قبل الفائدة والضرائب والإهلاك واستهلاك الدين (EBIDTA) بنسبة 5%.
- شركة رائدة في الشرق الأوسط تعزز أداء الشبكة للحد من خسائرها واستعادة ريادتها
اتبعت الشركة التي تحتل المركز الثاني على مستوى سوق الاتصال بحسب حصتها السوقية من عام 2010 وحتى عام 2014، استراتيجية مبتكرة عبر ضخ الاستثمارات لتعزيز أداء الشبكة، الأمر الذي انعكس سلباً على الشركة الرائدة في السوق ما تسبب بتراجع حصتها السوقية بنسبة 10%. وكرد فعل على ذلك، قامت الشركة الرائدة بزيادة نفقاتها الرأسمالية عبر توسيع نشر تقنية الجيل الرابع، ما أدى إلى الحد من خسارتها على مستوى السوق، بالإضافة إلى ذلك، تمكنت الشركة من تحسين أداء شبكتها بشكل كبير، ما انعكس في ارتفاع معدل الايرادات لكل مستخدم على نحو سريع، مع التخفيف من المشاكل وتحسين ولاء العملاء مقارنة بالشركة المنافسة.
الرؤى الرئيسية لدراستنا
ينتهج مزودو الخدمات المتصدرون مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات لخلق التمايز الذي يتناسب مع السوق المحلية التي يعملون فيها ومكانتهم في هذا السوق.
وتظهر لنا الأمثلة الثلاثة أعلاه، أن العنصر الأهم الذي يساهم في تعزيز ريادة المشغلين على مستوى السوق واستعادتها يتمثل في زيادة الاستثمارات المخصصة لتعزيز أداء الشبكة.
وعلى الرغم من أن جودة الشبكة ليست العنصر الوحيد لخلق التمايز وتوفير قيمة مضافة للعملاء، إلا أنها تعتبر حجر الأساس لوضع الاستراتيجيات الناجحة وتعزيز مؤشرات الأداء الرئيسية التجارية المحسنة، وبما أن حياتنا اليومية ستعتمد بشكل أكبر على الخدمات الرقمية المتطورة، فإننا نتوقع أن تكتسب خدمات الاتصال المتنقل عالي الجودة أهمية أكبر في عصر الجيل الخامس.