أصدرت مؤسسة Invesco اليوم تقريرها السابع حول إدارة الأصول السيادية العالمية، وهو تقرير سنوي متعمق يرصد السلوك الاستثماري المعقد لصناديق الثروة السيادية والبنوك المركزية. ويكشف تقرير هذا العام تراجع جاذبية أوروبا بين مستثمري الصناديق السيادية، وتحوّل اهتمامهم نحو الأسواق الناشئة، وخاصة الصين. ووفقًا للتقرير، فإن 88٪ من مستثمري الشرق الأوسط لديهم انكشاف على الصين، مقارنة بنسبة 73٪ من المستثمرين على الصعيد العالمي.
وجدير بالذكر أن تقرير هذا العام تمّ من خلال لقاءات فردية مع 139 مستثمرًا من صناديق سيادية ومديري احتياطيات بنوك مركزية من جميع أنحاء العالم، يمثلون أصولاً بقيمة 20.3 تريليون دولار أمريكي، منهم 71 ممثلًا لبنوك مركزية (62 في تقرير عام 2018)، الأمر الذي يعكس المكانة المتنامية للبنوك المركزية كمستثمرين سياديين.
تحسنت جاذبية الصين بالنسبة للمستثمرين السياديين أكثر من أي منطقة رئيسية أخرى منذ 2017.
وقد كشفت الدراسة أن الديناميات التنافسية الفريدة التي تتمتع بها الصين تجذب الصناديق السيادية التي تسعى إلى مزيد من التنويع، على الرغم من استمرار تمتع الأسهم بمكانتها كفئة الأصول الأكثر تفضيلاً.
كما أن حوالي 100٪ من الصناديق السيادية في الشرق الأوسط والتي تتمتع بانكشاف على الصين تحمل أسهماً صينية، مما يدل على أن التدابير الحكومية لفتح السوق أمام المستثمرين الأجانب تؤتي ثمارها. وقد ذكر المشاركون في التقرير من منطقة الشرق الأوسط أنهم صبوا تركيزهم على بناء خبراتهم في الصين عبر الاستثمار في الشراكات وتطوير كفاءاتهم داخليًا وتأسيس مكاتب آسيوية مخصصة.
وتعد مخاطر الاستثمار أكبر تحدٍّ يواجه الاستثمار في الصين بالنسبة للصناديق السيادية في الشرق الأوسط. ولا تزال الشفافية تشكل عقبة كبيرة أمام زيادة الصناديق السيادية العالمية مخصصاتها في الصين، بينما تعتبر قيود الاستثمار ومخاطر العملات من أهم العوائق الرئيسية بالنسبة للصناديق السيادية التي ليس لديها مخصصات حالية للصين (الشكل 2).
وعلى الرغم من أن الدراسة هذه قد أجريت خلال فترة من التصريحات المستمرة حول الحرب التجارية، إلا أن المشاركين في استطلاع الرأي وجدوا في تعهد الصين بتحسين حماية الملكية الفكرية سببًا للتفاؤل بالتوصل إلى حل للتوترات القائمة.
هذا ويلحظ التقرير زيادة مستثمري الشرق الأوسط لمخصصاتهم إلى آسيا كمنطقة، حيث زادت نسبة المخصصات بنسبة 75٪ في عام 2018 مقارنة مع 47٪ من جميع المستثمرين الذين تم استطلاع رأيهم. وتشير الدلائل إلى أن هذا الاتجاه سيستمر في عام 2019.
أدى تباطؤ النمو الاقتصادي والتنبؤات المتزايدة بالمخاطر السياسية إلى انخفاض في جاذبية الاقتصادات الأوروبية الرئيسية. ويؤثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الآن على قرارات تخصيص الأصول لـ 64٪ من جميع الصناديق السيادية (الشكل 3)، بينما تزداد هذه النسبة لدى المستثمرين الشرق أوسطيين لتصل إلى 78٪. وقد بات المستثمرون ينظرون إلى أوروبا القارية بعين من عدم التيقن بشكل متزايد، مع صعود الأحزاب والحركات الشعبوية اليمينية في الاقتصادات الأوروبية الكبرى مثل ألمانيا وإيطاليا، الأمر الذي يؤثر على قرارات تخصيص الأصول عند 46٪ من المشاركين في استطلاع الرأي.
وقد أدى ذلك إلى تراجع أوروبا على قائمة المناطق المفضلة، حيث قام نصف المستثمرين السياديين في الشرق الأوسط بتخفيض مخصصاتهم إلى أوروبا في عام 2018، وهناك عدد مماثل أيضًا يخطط لتقليص المخصصات في عام 2019. ويخطط فقط 13٪ من المستثمرين السياديين العالميين لزيادة مخصصاتهم إلى أوروبا هذا العام، مقارنة بنسبة 40٪ سيزيدون مخصصاتهم في آسيا و36٪ في الأسواق الناشئة (الشكل 4).
كان عام 2018 عامًا مليئًا بالتحديات بالنسبة للصناديق السيادية، حيث أدى الضعف والتقلبات في أسواق الأسهم إلى انخفاض العائدات الإجمالية للاستثمار. وكانت الصناديق السيادية قد حققت في العموم عائدات بنسبة 4٪ في عام 2018 مقارنة مع 9٪ في عام 2017. وعلى الرغم من الانخفاض في العائدات، حققت الصناديق السيادية أداءً جيدًا في ضوء العوائد السلبية من الأسهم العالمية، والتي انخفضت بنسبة 8.7٪ من حيث القيمة بالدولار الأمريكي خلال العام، وفقًا لمؤشر MSCI العالمي***.
تتوقع غالبية الصناديق السيادية (89٪) نهاية الدورة الاقتصادية خلال العامين المقبلين. وقد أدى هذا، إلى جانب المخاوف من التقلبات واحتمال تحقيق عوائد سلبية من الأسهم، إلى زيادة مخصصات الصناديق في قطاع الدخل الثابت وزيادة التنويع في مخصصات البنية التحتية والعقارات والأسهم الخاصة.
وارتفعت مخصصات الدخل الثابت إلى 33٪ في عام 2019 بعد أن كانت تمثل 30٪ في عام 2018، لتصبح أكبر فئة أصول تستثمر فيها الصناديق السيادية. ومع ذلك، ففي منطقة الشرق الأوسط، كانت المخصصات للبدائل غير السائلة مهيمنة على المشهد بشكل خاص، حيث زادت المخصصات بنسبة 75٪ للبنية التحتية، و63٪ للأسهم الخاصة، و38٪ للعقارات، وهو فارق ملحوظ في استراتيجية العينة العالمية التي شملتها الدراسة. وتتعرض المنطقة بشكل خاص للدورات الاقتصادية العالمية بسبب اعتمادها على عائدات النفط، وبالتالي لديها حافز أكبر للاستثمار في هذه الأصول بهدف التنويع.
تنظر الصناديق السيادية في الشرق الأوسط إلى التكنولوجيا باعتبارها فرصة استثمارية كبيرة ذات قاعدة واسعة، إذ تضم 89٪ من تلك الصناديق مجموعة أو فريق عمل متخصص بالتكنولوجيا، مقارنة مع 48٪ من الصناديق العالمية. وإذا نظرنا إلى هيمنة شركات التكنولوجيا من حيث مساهمتها في عائدات الأسهم والتنمية الاقتصادية على مدى السنوات القليلة الماضية، سنجد أنه من غير المستغرب أن يشير 75٪ من المشاركين في استطلاع الرأي من منطقة الشرق الأوسط إلى تعزيز عائدات الاستثمار كالسبب الأكثر أهمية الذي يدفعهم للتركيز على هذا القطاع.
ولطالما كانت الصناديق السيادية في الشرق الأوسط من الرواد في استخدام الاستثمارات التكنولوجية لصالح مجتمعاتها المحلية. وتلعب التكنولوجيا والابتكار دورًا مهمًا في هذه المجتمعات، بصفتها جزءًا من العديد من المبادرات الإقليمية لبناء اقتصاد أكثر استدامة. وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة قد أعلنت في عام 2015، عن خطة لاستثمار 80 مليار دولار أمريكي في سياستها العليا الخاصة بالعلوم والتكنولوجيا والابتكار، كما وضعت المملكة العربية السعودية الابتكار التكنولوجي في صميم رؤية المملكة 2030.
ووفقًا لاستطلاع الرأي، قام 100٪ من المشاركين من منطقة الشرق الأوسط بتطبيق ابتكار تكنولوجي في مجال استراتيجية الاستثمار خلال الأشهر الـ 12 الماضية، في مجالات مثل إدارة المخاطر والرصد والذكاء الاصطناعي.
تعد الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية قضية ذات أهمية متزايدة بالنسبة للصناديق السيادية والبنوك المركزية. وقد شهدت نسبة الصناديق السيادية التي تتبنى سياسة خاصة بالحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية ارتفاعًا من 46٪ إلى 60٪ منذ عام 2017 (الشكل 5). كما بات الآن لدى 20٪ من البنوك المركزية سياسة خاصة بالحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، مقارنة مع 11٪ في عام 2017. وجدير بالذكر أن 67٪ من الصناديق السيادية في الشرق الأوسط لديها سياسة خاصة بالحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، متقدمة بذلك على المتوسط العالمي الذي يبلغ 60٪، إلا أنها لا تزال متراجعة عن المعدل الموجود لدى الصناديق السيادية في الغرب والذي يبلغ 76٪.
وتشهد مقاربات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية تطورًا بشكل متزايد، حيث أنها انتقلت إلى ما بعد الفحص والتدقيق لتتضمن الآن مزيدًا من أشكال التكامل المتقدمة.
كما حدث أيضًا تحوّل في تركيز نشاط الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية. ففي حين أن مالكي الأصول كانوا في الماضي يركزون على قضايا الحوكمة بسبب ما توفره من وضوح أكبر للمخاطر ومزايا تتعلق بالعائدات، فإن هذه العوامل غالبًا ما تكون موجودة الآن بذهن الجهات التي تتبنى سياسات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية. وأصبحت المخاوف البيئية بالنسبة للصناديق السيادية محور التركيز الأساسي بصورة متنامية، حيث أصبحت انبعاثات الكربون والتغير المناخي أهم قضية في سياسات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية.
وفي تعليق لها، قالت جوزيت رزق، مدير المبيعات للعملاء المؤسسين لمنطقة الشرق الأوسط لدى Invesco: “نلحظ تحولًا مثيرًا للاهتمام من حيث التوزيع الجغرافي والقطاعي في منطقة الشرق الأوسط، حيث أن الحاجة إلى موازنة الانكشاف العالمي تدفع العديد من المستثمرين الإقليميين لاستكشاف الفرص في الأسواق الناشئة وآسيا، لا سيما بسبب الأسس والتقييمات الجذابة التي تتمتع بها الأسواق الناشئة. وعلى الرغم من أن زيادة المخصصات للصين لا تزال تشكل بندًا على أجندات المستثمرين الإقليميين، إلا أن مخاطر الاستثمار تعد أكبر تحدٍّ للاستثمار هناك”.
“كما لاحظنا أيضًا اتجاهًا آخر مثير للاهتمام وهو أن التكنولوجيا والابتكار أصبحا جزءًا مهمًا من المحفظة الكلية للمستثمرين الإقليميين. ويعود ذلك في المقام الأول إلى العائدات الجذابة التي تقدمها شركات التكنولوجيا، كما أنه يتوافق مع جداول أعمال العديد من الحكومات الإقليمية، وخاصة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، والتي ترغب بتطوير اقتصاد قائم على المعرفة لدفع عجلة التنمية الاقتصادية في بلدانهم”.
“وقد اكتسب الحديث حول الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية وحوكمة الشركات أو ما يطلق عليه تسمية ’الاستثمار المسؤول‘ زخمًا كبيرًا في الآونة الأخيرة. وشكل مستثمرون مؤسسيون كبار من المنطقة، ولا سيما صناديق ثروة سيادية، القوة الدافعة الرئيسية وراء هذا الأمر، وخاصة بشأن الموضوعات الأساسية التي لها تأثير على الاستدامة وتوقيع مبادرة ’كوكب واحد‘.”